بموجب التقدم التكنولوجي السريع والتحول الرقمي الذي شهدته المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، أصبحت الحاجة إلى وسائل إثبات حديثة وموثوقة أمام المحاكم أمرًا ضروريًا.
وفي هذا السياق، يظهر الإثبات الإلكتروني كوسيلة فعّالة لتقديم الأدلة والوثائق الرقمية في البيئة القانونية السعودية. يعكس هذا التطور الحاجة المتزايدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحقيق العدالة وتيسير الإجراءات القانونية.
ستتناول هذه المقالة مفهوم الإثبات الإلكتروني في السعودية، وأهميته في النظام القانوني، والتحديات التي تواجه تبنيه وتطبيقه، بالإضافة إلى الخطوات التي تتخذها المملكة لتعزيز هذا النوع من الإثبات وضمان صحته وقبوله أمام المحاكم.
مفهوم الإثبات الإلكتروني في المملكة العربية السعودية
تم تبني مفهوم الإثبات الإلكتروني في المملكة العربية السعودية كجزء من الجهود الرامية لتحديث النظام القانوني ومواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة. وقد أدى هذا التحول إلى تطوير قوانين وسياسات تهدف إلى تنظيم وتشجيع استخدام التقنيات الإلكترونية في إثبات الحقائق وتسهيل الإجراءات القانونية.
وقد بينت كل من المادة الثالثة والخمسون من نظام الإثبات، و المادة الستون من الأدلة الإجرائية لنظام الإثبات، أن الدليل الرقمي في السعودية يعتبر كل دليل مستمد من أي بيانات تنشأ أو تصدر أو تسلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها.
كما وأوضحت المادة الرابعة والخمسون من نظام الإثبات أن الدليل الرقمي يكون وفقاً للآتي:-
المحرر الرقمي
السجل الرقمي
التوقيع الرقمي
المراسلات الرقمية بما فيها البريد الرقمي
وسائل الإتصال
الوسائط الرقمية
ما هي حجية الدليل الرقمي في الإثبات الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية؟
ذكرت المادة السادسة والخمسون من نظام الإثبات أن الدليل الرقمي يكون له حجية في الإثبات الإلكتروني إذا كان الدليل الرقمي هو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن، طبقاً للأوضاع النظامية، وفي حدود سلطته واختصاصه، بما في ذلك ما يصدر آلياً من الأنظمة الرقمية للجهات العامة أو الجهات المكلفة بخدمة عامة.
كما يكون الدليل الرقمي غير الرسمي حجة على أطرافه - ما لم يثبت خلاف ذلك - في الحالات الآتية: -
إذا كان صادراً وفقاً لنظام التعاملات الإلكترونية أو نظام التجارة الإلكترونية.
إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية منصوص عليها في العقد محل النزاع.
إذا كان مستفاداً من وسيلة رقمية موثقة أو مشاعة للعموم.
وفي حال لم تتوافر أي حالة من الحالات السالف ذكرها، فإنه يكون للدليل الرقمي الحجية المقررة للمحرر العادي.
كيفية استخدام الإثبات الإلكتروني في المحاكم السعودية؟
يجب على من يحتج بالدليل الرقمي المستفاد من وسيلة رقمية منصوص عليها في العقد محل النزاع أو أي وسيلة أتيح استخدامها بشكل عام، أو أي وسيلة مرخصة من الجهة المختصة أتيح استخدامها للمتعاقدين، أن يقدم ما يثبت ذلك.
كما أنه يجب أن يتم إرفاق الآتي مع الأدلة الرقمية حينما تقدم للمحكمة المختصة:
بيان نوع الدليل الرقمي.
ذكر مضمون الدليل، ونسخة منه متى كانت طبيعته تسمح بذلك.
ومن الجدير بالذكر أن للمحكمة أن تطلب تقديم محتوى الدليل الرقمي مكتوباً متى كانت طبيعته تسمح بذلك.
أما في حال منازعة الخصم، يقدم الدليل الرقمي على النحو الآتي:
بهيئته الأصلية، متى أتيح للمحكمة الاطلاع عليه مباشرة.
بوسيلة رقمية أخرى، متى قدمت نسخة منه، بما في ذلك تقديمه في وسائط رقمية.
ما هي ضوابط التأكد من صحة الإثبات الإلكتروني في السعودية؟
يقع على الخصم الذي يدعي عدم صحة الدليل الرقمي عبء إثبات ادعائه، ويقصد بإثبات ادعاء عدم صحة الدليل الرقمي أي إثبات التزوير، أو إثبات خلاف مضمونه.
كما أنه إذا امتنع أي من الخصوم عن تقديم ما طلبته المحكمة للتحقق من صحة الدليل الرقمي بغير عذر مقبول، سقط حقه في التمسك به أو عد حجة عليه بحسب الأحوال.
بالإضافة إلى أنه عند منازعة الخصم في صحة المستخرج من الدليل الرقمي، فيجب مطابقته على سجله الرقمي، ويكون للمستخرجات من الدليل الرقمي الحجية المقررة للدليل نفسه، وذلك بالقدر الذي تكون فيه المستخرجات مطابقة لسجلها الرقمي.
وفي حال تعذر التحقق من صحة الدليل الرقمي بسبب لا يعود للخصوم، فتقدر المحكمة حجيته بما يظهر لها من ظروف الدعوى.
ما هي إجراءات الإثبات الإلكتروني وضوابطه في المملكة العربية السعودية؟
ذكرت المادة الثالثة من ضوابط إجراءات الإثبات الإلكترونية أنه لا يخل اتخاذ إجراء الإثبات إلكترونياً باستيفاء أي متطلبات ذات صلة بإجراءات الإثبات المنصوص عليها في نظام الإثبات والأنظمة ذات الصلة، بما في ذلك المواعيد والبيانات.
كما أنه يجب عند اتخاذ أي إجراء من إجراءات الإثبات الإلكترونية أن يكون بوساطة الأنظمة الإلكترونية المعتمدة، هذا بالإضافة إلى أنه لا يجوز لأي شخص مباشرة أي إجراء من إجراءات الإثبات الإلكترونية إلا بواسطة حسابه الشخصي المسجل في الأنظمة الإلكترونية المعتمدة.
ومن الجدير بالذكر أنه في حال إجراء الإثبات الإلكتروني يكون التحقق والمصادقة على الإجراء بواسطة خدمة النفاذ الوطني الموحد، أو إحدى وسائل التحقق الإلكترونية المعتمدة، كما أنه فيما لم يرد فيه نص خاص، ومع مراعاة ما قرره النظام والأدلة الإجرائية يكون تقديم الدليل إلكترونياً من خلال الإجراء الإلكتروني المعتمد، ولا يعتد بأي دليل يقدم من خلال أي إجراء لم يخصص له، وكل هذا وفق نص المادتين السادسة والسابعة من ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً في السعودية.
ويحفظ الدليل المقدم إلكترونياً بحالته التي قدم بها، وكافة الوثائق المتعلقة به، ويتاح للخصوم الاطلاع عليه، كما تحفظ وقائع الجلسة التي اتخذ فيها إجراء الإثبات إلكترونياً، بما في ذلك الاستجواب وسماع الشهادة وأداء اليمين، ويثبت مضمونها في ضبط الجلسة، ويحق للمحكمة الرجوع إليها في أي مرحلة من مراحل الدعوى.
ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً في المملكة العربية السعودية بشأن الكتابة كأحد وسائل الإثبات:
يجب أن تكون النسخة المقدمة من المحرر الرسمي أو العادي إلكترونياً كاملةً وواضحةً، ومرتبة وفقاً للأصل، بحيث أنه لا يعتد بأي محرر قدم إلكترونياً متى تبين عدم وضوحه أو نقصه أو عدم إمكانية الاطلاع عليه لمخالفة الإجراء الإلكتروني المعتمد.
ويجوز للمحكمة عند اتخاذ إجراءات الإثبات إلكترونياً التأكد من هوية الشخص، ومن عدم وجود ما يؤثر على الإجراء، وإذا ظهر خلاف ذلك فلها اتخاذ ما تراه مناسباً وفقاً لسلطتها التقديرية.
كما أنه في الأحوال التي تقتضي مطابقة المحرر لأصله فإن للمحكمة إجراء المطابقة إلكترونياً.
وفيما يخص ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً في المملكة العربية السعودية بشأن الشهادة كأحد وسائل الإثبات فإنه يجب أخذ الآتي في عين الاعتبار:-
لا يكون أهلاً للشهادة من لم يبلغ 15 سنة، ومن لم يكن سليم الإدراك، ويجوز أن تسمع أقواله على سبيل الاستئناس.
أن تُسمع شهادة كل شاهد على انفراد إلا لمقتضى معتبر.
أن يتاح للخصوم سماع الشهادة مباشرة، وتوجيه الأسئلة للشهود إلكترونياً.
وبخصوص ضوابط إجراءات الإثبات إلكترونياً في السعودية بشأن الخبرة كأحد وسائل الإثبات فإنه يجب النظر فيما يلي:-
إجراءات تعيين الخبير، واختياره.
طلب رد الخبير.
إبلاغ الخبير بقرار الندب.
إيداع تقرير الخبرة.
مناقشة الخبير في تقريره.
ويحق للخبير مباشرة أي من إجراءات الخبرة إلكترونياً، بما في ذلك الاستماع لأقوال الخصوم وغيرهم، والاطلاع على المستندات والأوراق، على أن يكون ذلك بواسطة الأنظمة الإلكترونية المعتمدة، كما يجوز أن تتم جميع إجراءات الخبرة في المسائل الفنية اليسيرة إلكترونياً.
ختاماً: يُظهر التبني المتزايد للإثبات الإلكتروني في المملكة العربية السعودية التزامها بالتحول الرقمي والتطور التكنولوجي في مجال العدالة.
تمثل هذه الخطوة خطوة مهمة نحو تحسين كفاءة العدالة وتيسير الإجراءات القانونية للمواطنين والمقيمين في المملكة. ومع الاستمرار في التطور والتحديث، يمكن أن يلعب الإثبات الإلكتروني دوراً أكبر في تعزيز الشفافية والنزاهة في العمل القانوني، مما يسهم في تعزيز الثقة في النظام القانوني وتحقيق العدالة بشكل أفضل.
إن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير السياسات والتشريعات المناسبة سيسهم في دعم وتعزيز دور الإثبات الإلكتروني في تحقيق أهداف العدالة والنزاهة في المملكة العربية السعودية.
Comments