تعتبر العقود مصدراً هاماً للالتزامات بين الأفراد والشركات، وتحرص المملكة على تنفيذ هذه العقود بشكل سليم لضمان حقوق الأطراف لذا؛ فقد أصدرت المملكة العربية السعودية نظام التوثيق لتحسين البيئة التعاقدية، وسنتحدث في هذا المقال عن تعريف التوثيق وأهميته، ومن هم الأشخاص المخولون بتوثيق العقود في المملكة العربية السعودية.
ماهية التوثيق
وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى من نظام التوثيق فالتوثيق يعرف أنه مجموعة من الإجراءات التي تكفل إثبات الحق على وجه يصح الاحتجاج به، وهو ما يعمل على ضمان وحفظ حقوق أطراف العقد، ولا يقلل ذلك من الثقة التي تقوم عليها المعاملات ولكن التوثيق هو وسيلة آمنة للتقليل من النزاعات بين أطراف العقد وضبط العلاقة بينهما.
كما أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مبادرة لتوثيق العقود ، وتلك المبادرة هي عبارة عن برنامج إلكتروني يمكن أصحاب العمل من رفع وتحديث المعلومات الخاصة بعقود العاملين في القطاع الخاص، ويتيح أيضاً للعاملين التحقق من صحة بيانات عقودهم، وتهدف المبادرة إلى حث المنشآت في القطاع الخاص على كتابة عقود لجميع موظفيها وهذا يعد مثال بسيط يوضح أهمية التوثيق في المملكة العربية السعودية وحرص وجهود المملكة على توجيه الأفراد لتوثيق كافة العقود للحفاظ على العلاقات التعاقدية وتقليل النزاعات.
ما هي أهمية توثيق العقود ؟
ضمان الشرعية والشفافية: يساعد التوثيق في توثيق التزام الأطراف بمحتوى العقد وتفاصيله، مما يعزز الشفافية ويضمن أن العقود تتم وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها.
توضيح الحقوق والالتزامات: يسهل التوثيق فهم حقوق وواجبات الأطراف المتعاقدة، مما يقلل من احتمالات التفسيرات المتعارضة في المستقبل.
توفير دليل قانوني: يوفر التوثيق دليلاً قانونياً قوياً في حالة الخلافات أو النزاعات المحتملة، ويسهل التوثيق الإثبات أمام المحاكم والجهات القانونية.
تعزيز الثقة بين الأطراف: يساعد التوثيق على بناء الثقة بين الأطراف المتعاقدة، حيث يظهر التزامهم الجدي بتنفيذ الاتفاقيات بموجب العقد.
تحفيز الاستثمار وتنمية الأعمال التجارية: يعزز التوثيق بيئة الأعمال المناسبة والموثوقة، مما يشجع على الاستثمار وتطوير الأعمال التجارية في المجتمع.
كما تظهر ب أهمية توثيق العقود في المملكة بوضوح عند النظر إلى مداخل وطرقات المحاكم، حيث تكثر العديد من الشكاوى والدعاوى الناشئة عن العقود التي تبرم في الكثير من الأحيان بناءً على وجود ثقة زائدة بين الأطراف أو التساهل في صياغتها.
ولذلك جاء توثيق العقود بتعريفه الهام فهو وسيلة تكفل الحفاظ على حقوق أطراف العقد وتؤكد وتوثق ما عليهم من التزامات، حيث تكمن أهمية توثيق العقود من مراجعتها والتأكد من أنها أبرمت بشكل نظامي سليم.
ومثال على ذلك عقود الإذعان فهي من العقود الواجب توثيقها ومراجعتها جيداً لضمان حقوق الأطراف الذين يمكن استغلالهم، وعقود العمل، وعقود الإيجار.
فخلاصة القول أن أهمية توثيق العقود هو التأكد من عدم مخالفة مقتضى العقد سواء للشريعة الإسلامية أو النظام العام والآداب العامة والأنظمة السارية في المملكة العربية السعودية.
ومن الجدير بالذكر بشأن أهمية توثيق العقود سواء التجارية أو المدنية أو العمالية أو حتى الزواج، هو التقليل من منع نشوب أية نزاعات بين أطراف أي عقد، وكذلك تنظيم وضبط العلاقة التعاقدية بينهم، هذا بالإضافة إلى أن توثيق العقود يقضي على انتشار ظاهرة تحرير العقود الصورية.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن مقاصد الشريعة الإسلامية قد أكدت على أهمية توثيق العقود وذلك وفقاً لقول الله تعالى في سورة المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ"، كما أن الله عز وجل حذرنا من الإخلال بالعهد أو العقد بعد ميثاقه، وذلك في قوله في سورة الرعد "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ".
ومن الآيات الكريمة التي نوهت عن أهمية توثيق العقود بين أطرافها، من سورة البقرة، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
كما وأوضحت المادة الحادية والأربعون من نظام التوثيق السعودي أنه يترتب على عملية التوثيق، أن يكون للوثائق الصادرة قوة الإثبات، وتعد سنداً تنفيذيًا فيما تضمنته من التزام، ويجب العمل بمضمونها أمام المحاكم بلا بينة إضافية ولا يجوز الطعن فيها، ولا تلغى الوثائق الصادرة وفق نظام التوثيق إلا بحكم قضائي تأسيساً على مخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية أو النظامية، أو تزويرها، وذلك بعد مرافعة مستكملة إجراءاتها الشرعية والنظامية.
إلى من يمنح حق التوثيق في المملكة العربية السعودية ؟
وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى من نظام التوثيق فإن الأشخاص المسموح لهم بتوثيق العقود في المملكة العربية السعودية هم كالتالي:-
كاتب العدل
الموثق
المأذون
و سنوضح فيما يلي اختصاصات وحدود كل منهم بشأن توثيق العقود:
نصت المادة الأولى من نظام التوثيق على أن كاتب العدل هو موظف حكومي مؤهل تأهيلاً شرعياً، معين على وظيفة كاتب عدل، أو رئيس كتابة عدل، يختص بتوثيق العقود والإقرارات، وذكرت كل من المادة الحادية عشرة من نظام التوثيق والمادة الثامنة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التوثيق اختصاصات كاتب العدل في السعودية، حيث يختص كاتب العدل بتوثيق العقود والإقرارات، ويجوز له توثيق ما يلي:-
إفراغ صكوك الملكية العقارية وصكوك الاستحكام المستكملة لإجراءاتها الشرعية والنظامية، وتحويل استخدام صك الاستحكام، ودمج صكوك الاستحكام وصكوك الملكية العقارية الصادرة من كتابات العدل
إفادة صاحب الشأن في الحالات الاجتماعية، والتصديق على شهادة الشهود عليها.
قسمة الأموال المشتركة بما فيها العقار إذا لم يكن فيها نزاع، أو حصة وقف أو وصية، أو قاصر، أو غائب.
عقد الزواج إذا كان أحد طرفيه سعودي الجنسية والآخر غير سعودي.
إقرار ذوي الشأن بالأموال المتلفة لأغراض التعويض عند الاقتضاء.
اتفاق ذوي الشأن على الحضانة، أو النفقة، أو الزيارة.
إقرار من لا يحسن القراءة من ذوي الشأن.
الطلاق والخلع والرجعة.
إنشاء الوقف والوصية.
الصلح.
هل توجد قيود لكاتب العدل بشأن توثيق العقود في المملكة العربية السعودية ؟
الإجابة هي نعم
نصت المادة الثانية عشرة من نظام التوثيق السعودي على أن كاتب العدل لا يختص بتوثيق أي إقرار أو عقد يكون أحد طرفيه قاصراً، أو غائباً، أو ناظر وقف أو وصية، إلا في حالات معينة حددها النظام حصراً وهي كالتالي:-
قبول الهبة.
تصرفات الأب في مال ولده القاصر.
عقد تأجير مدته لا تتطلب الإذن من المحكمة المختصة.
ما ينزل من العقار للمنفعة العامة ما لم يكن البدل عقاراً
إقرار البائع بالبيع على مورث القاصر وقبضه الثمن قبل وفاة المورث
من هو الموثق وما هي شروط تعيينه؟
الموثق هو من يقوم بأعمال التوثيق بموجب رخصة صادرة وفق أحكام النظام، كما ويجب على الموثق لاعتباره كذلك أن تتوافر فيه شروط حددها النظام وهي كالتالي:-
أن يكون سعودي الجنسية.
أن يكون حسن السيرة والسلوك، وألا يكون محكوم عليه بجريمة مخلة بالدين أو الشرف، أو صدر في حقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة، ولو كان قد رُدّ إليه اعتباره.
أن يكون لائقاً صحياً، وسليم الحواس.
أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية في تخصص الشريعة أو الأنظمة من إحدى الكليات في المملكة، أو ما يعادل أيًّا منها، وبتقدير عام لا يقل عن جيد.
أن يجتاز امتحان تحريري تعده الإدارة المختصة.
أن يجتاز دورة تدريبية متخصصة في مجال التوثيق، ما لم يكن قد عمل مدة لا تقل عن سنة قاضياً أو كاتب عدل أو محامياً أو مستشاراً شرعيًا أو نظاميًا أو درّس الفقه أو أصوله أو الأنظمة في إحدى كليات المملكة.
ألاَّ يكون موظفاً في القطاع العام أو القطاع الخاص، ولا مزاولاً لأي مهنة أخرى عدا مهنة المحاماة.
ما هي اختصاصات الموثق ؟
إفراغ صكوك الملكية العقارية.
الوكالات وفسخها.
الرهن وفكه و تعديله.
عقود تأسيس الشركات، وملاحق التعديل، وقرارات ذوي الصلاحيات فيها.
محاضر الجمعيات العمومية للشركات.
التصرفات والعقود الواقعة على العلامات التجارية، وبراءات الاختراع، وحقوق المؤلف.
العقود الواقعة على المال المنقول.
إقرار الكفالة الحضورية والغرامية.
الإقرار بالمبالغ المالية والمنقولات، وتسلمها، والتنازل عنها.
ما هي اختصاصات المأذون ؟
المأذون هو من يقوم بتوثيق عقود النكاح بموجب رخصة صادرة وفق أحكام النظام، ويعهد إليه بتوثيق عقود النكاح إذا كان طرفيه سعوديين، أو غير سعوديين، بحيث يجب على المأذون وفق المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التوثيق مراعاة التحقق من أركان عقد النكاح وشروطه وانتفاء موانعه.
في الختام، يظهر بوضوح أن توثيق العقود يعد أمراً ذا أهمية بالغة في الحفاظ على حقوق الأفراد والشركات، وتعزيز الثقة والشفافية في العلاقات التجارية والمالية. من خلال ضمان شرعية العقود وتوضيح حقوق وواجبات الأطراف، و يسهم التوثيق في بناء بيئة تعاقدية مستقرة وموثوقة، تشجع على الاستثمار والنمو الاقتصادي. لذا، يجب على الأفراد والشركات الاهتمام بتوثيق العقود والالتزام بأحكامها، كونها الضامن الأساسي لحماية مصالحهم وتعزيز التعاون والتطور في مختلف المجالات.
Comments